ديسمبر 2, 2025

حوار في قلب نيويورك: بين المهنية و الانحراف

حوار في قلب نيويورك: بين المهنية والانحراف

منذ سنوات خلت، جمعني لقاءٌ بأحد كبار ضباط شرطة نيويورك، المدينة التي تُعرف عالميًا بانضباط عناصرها ومهنيتهم العالية. دار بيننا نقاش صريح حول التجاوزات التي قد يرتكبها بعض رجال الشرطة، وما يتعرض له المواطنون والمهاجرون أحيانًا من تعسف أو ظلم.

كان رد الضابط الكبير واضحًا ومباشرًا:

“الفساد موجود، لكنه ليس القاعدة. مهنة الشرطة كغيرها من المهن؛ فيها من يؤدي واجبه بنزاهة وإخلاص، وفيها من يسيء للمهنة ويفسد أكثر مما يصلح. نحن لا نتجاهل ذلك، بل نواجهه.”

وأوضح أن جهاز الشرطة لا يتسامح مع العناصر الفاسدة، بل يتعامل معها بحزم:

“كلما ظهر لنا عنصر غير صالح، نتخذ الإجراءات اللازمة. لكن الأمر لا يتم بعشوائية أو انفعال. نحن نحتاج من المواطنين ألا يترددوا في تقديم الشكايات، لأن كل شكوى تُسجَّل وتُحفظ في ملفه.”

وأضاف بنبرة حازمة:

“لا نطرد أحدًا لمجرد شكوى واحدة، لكن حين تتراكم الشكايات، نفتح الملف ونقيّم السلوك. فإذا ثبت أن هذا العنصر لا يصلح للمهنة، نفصله. وهذا ليس عقابًا فقط، بل خدمة له أيضًا، لأنه سيبحث عن مجال يناسبه أكثر.”

بين التفاحات الفاسدة والحقل المهني النزيه

قال لي الضابط الكبير، وهو الواثق من نفسه:

“حين تكون في ورطة، حين تتعرض لهجوم أو خطر، من يأتيك؟ الشرطة. نحن نشتغل، وبسرعة، وبمهنية عالية. هذا هو جوهر عملنا.”

ثم أضاف بنبرة واقعية لا تخلو من المسؤولية:

“لكن لا تنسَ، هذا الحقل الجميل الذي نشتغل فيه لا يخلو من بعض التفاحات الفاسدة. نعم، هناك من يسيء للمهنة، من يظلم، من يتسلط. لكننا لا نتغاضى. نحن نرصد، نتابع، ونتصرف.”

وأكد أن النظام لا ينهار بسبب عنصر فاسد، بل يُصلح نفسه من الداخل:

“كل شكوى تُسجَّل، وكل تجاوز يُوثَّق. وعندما تتراكم الأدلة، نفتح الملف ونقرر. فإن ثبت أن العنصر غير صالح، نفصله؛ لا انتقامًا، بل حفاظًا على المهنة، وصونًا لكرامة من يخدمونها، خدمةً للوطن والمواطن.”