أكتوبر 27, 2025

جيل Z مغاربة أمريكا… يحدّقون في جدار القنصلية ويسألون بصمت

في نظراتهم، عتاب لا يُقال، وحنين لا يُستوعب. وفي صمتهم، احتجاجٌ أعمق من كل عتاب

كنا نظنهم لن يبرحوا غرف الشات ، يعيشون في عالمهم الإفتراضي، لكن و بسرعة غير متوقعة أيقظوا وطنًا من سباته عبر صفعة مدوية لحكومة نست أنها بالمغرب

جيل Z في المغرب ينزل إلى الشارع، يطالب بحقوقه في الصحة والتعليم الجيد، وهي مطالب مشروعة طالما أن الاحتجاجات سلمية. هذا الجيل لا ينتظر وعودًا مؤجلة؛ إنه جيل السرعة، جيل المنصات الرقمية، جيل الحلول الفورية ينشد التغيير بضغطة زر. يواجه حكومة تتشكل من أحزاب متغولة، يقودها كهول لم يصغوا بعد إلى نبض الشباب ولا إلى تحولات العصر.

لكن هناك جيل Z آخر، وجيل ما قبله، يعيشون هنا بأمريكا. مغاربة أمريكيون، أبناء مهاجرين، يحملون هويتين ويشكلون جسورًا بين وطنين. هؤلاء لا أحد يلتفت إليهم من المسؤولين المغاربة. لا القنصليات بادرت إلى جمعهم، ولا الوزارات المتعاقبة فتحت معهم قنوات تواصل حقيقية. الصور التي تُسوّق من داخل القنصليات لا تعكس الواقع؛ هي لقاءات شكلية مع نفس الوجوه، بينما الأطر الشابة، والطلبة المزدادون هنا، والمغاربة الذين يتبوؤون مناصب عليا، لم يُدعوا يومًا إلى طاولة الحوار أو إلى حفلة شاي حتى !

صحيح أن مشاكلهم في الصحة والتعليم تختلف عن تلك التي يواجهها نظراؤهم في المغرب، ولا أحد يطلب من السيد رئيس الحكومة أو الوزارة المكلفة بالجالية إيجاد الحلول لها. لكن على السيد وزير الوصي على الجالية أن يفكر في مستقبل المغرب، لأن هؤلاء الشباب هم من جيل ولي العهد وهم امتداد للرابطة التي تربط المغرب بأبنائه بأمريكا وفي الخارج. هم الإستمرارية و منهم من سيكون ضمن صناع القرار

علينا جميعًا أن نمد لهم اليد، أن نفتح معهم الطريق نحو المشاركة السياسية المحلية، في مجالس المدن والولايات، بل حتى نحو الكونغرس الأمريكي كنُوّاب وشيوخ. أما لقاءات القنصليات، فهي غالبًا موجهة لطلبة يحملون تأشيرات دراسية، ينتمون إلى فئة أعيان المغرب يدرسون و يعودون….. بينما يُهمّش الطلبة الآخرون، أبناء مغاربة الشتات من الطبقات المتوسطة والعاملة، الذين يحملون قصصًا مختلفة، وطموحات لا تقل مشروعية .

جيل Z من الجالية لا ينتظر إعانات ولا دعمًا يقتطع من قوت المغاربة و لا يصفق للمسؤلين المغاربة و لا ينحني لهم لقد تربى في بيئة تُعلّم أن المسؤول، مهما علا منصبه، هو في خدمة المواطن، وأن القانون فوق الجميع. يعرف حقوقه كما يعرف واجباته، ويؤمن بالمحاسبة والشفافية، لا بالولاء الأعمى ولا بالخطاب المجامل.

هؤلاء هم من نريد أن نراهم في الواجهة، لا في الهامش. نريدهم في الصفوف الأولى للمدعوين في المناسبات الوطنية، لا في قوائم الانتظار أو في بنك معلومات القنصلية. هم البطاقة الرابحة، ليس لأنهم يرددون الشعارات، بل لأنهم قادرون على إيصال الرسالة بل على صياغتها، و كتابتها بلغات متعددة، وبمنطق جديد، وبوعي عميق. هم من يمكنهم كتابة تاريخ المغاربة في أمريكا، لا كجالية فقط، بل كقوة اقتراح، كامتداد حيّ لوطن لا يجب أن ينسى أبناءه.

جيل لا يطلب امتيازات، بل يطالب بالاعتراف، بالتواصل الحقيقي، وبفتح الأبواب أمام مشاركته في صياغة السياسات، في تمثيل المغرب بوجهه المتعدد، المتجدد، و المستقبلي .

إنهم هنا، في كل مكان، في كل قطاع، يسجلون نجاحات تُبهر العدو قبل الصديق. لم يطلبوا امتيازات، ولم ينتظروا تصفيقًا. فحبدا  لو ساعدناهم و جمعناهم على القراءة على حرف واحدالوطن .

فهل يجرؤ المسؤولون المغاربة على الاعتراف بأنهم تأخروا كثيرًا في مدّ الجسور؟ هل يملكون الشجاعة لفتح الأبواب أمام هؤلاء الشباب الذين لا يطلبون شيئًا سوى أن يُحسبوا على الوطن، لا عليه؟

المغاربة الأمريكيون من جيل Z ليسوا هامشًا، بل مستقبلًا. تجاهلهم ليس فقط تقصيرًا، بل خيانة لفرصة تاريخية. وعلى من يملك القرار أن يتحمل مسؤوليته كاملة: في التواصل، في التمثيل، وفي بناء علاقة قائمة على الاحترام  حبًا في الوطن، لا على صور أصبحت مملة و مضحكة لأشخاص يظهرون في صور مع القناصلة الستة الذين تعاقبوا على قنصلية نيويورك !

هؤلاء هم من يكتبون اليوم قصة نجاحهمفهل نمنحهم الحق في كتابة فصل جديد من تاريخ المغرب؟ أم نتركهم يكتبونه وحدهم، بعيدًا عن وطن لا يسمعهم؟