منذ تأسيسها عقب الحرب العالمية الثانية، حملت منظمة الأمم المتحدة وعدًا أخلاقيًا وسياسيًا بأن تكون الحصن الأخير للعدالة الدولية، والضامن لحقوق الشعوب، والحَكم النزيه في النزاعات بين الدول. تأسست على مبدأ أن “قوة الحق” يجب أن تسمو فوق “حق القوة”، وأن القانون الدولي هو المرجعية العليا في العلاقات بين الأمم. لكن بعد أكثر من سبعة عقود، يثور سؤال جوهري: هل لا تزال الأمم المتحدة تجسد هذا الوعد؟ أم أنها تحولت إلى ساحة تُكرّس فيها القوى الكبرى مصالحها تحت غطاء الشرعية الدولية؟
قوة الحق: المبادئ المؤسسة
الميثاق التأسيسي للأمم المتحدة ينص على احترام سيادة الدول، حل النزاعات بالطرق السلمية، وحماية حقوق الإنسان. هذه المبادئ جعلت المنظمة مرجعًا أخلاقيًا وقانونيًا في قضايا السلام، التنمية، والمساعدات الإنسانية. من عمليات حفظ السلام في أفريقيا، إلى جهود مكافحة الفقر وتغير المناخ، تظل الأمم المتحدة حاضرة كقوة ناعمة تسعى لترسيخ الحق، وتقديم الدعم للدول النامية، وتمكين الشعوب من التعبير عن تطلعاتها.
حق القوة: ازدواجية المعايير
لكن الواقع السياسي يُظهر وجهًا آخر. مجلس الأمن، الذي يُعد القلب النابض للقرارات الدولية، يخضع لهيمنة الدول الخمس دائمة العضوية. حق النقض (الفيتو) يُستخدم أحيانًا لتعطيل قرارات تتعلق بانتهاكات جسيمة، مما يثير تساؤلات حول عدالة النظام. في قضايا فلسطين، سوريا، أو أوكرانيا، كثيرًا ما بدا أن “حق القوة” يتغلب على “قوة الحق”، وأن المصالح الجيوسياسية للدول الكبرى تُحدد مسار القرارات أكثر من المبادئ القانونية أو الإنسانية.
بين المثال والواقع
الأمم المتحدة ليست كيانًا مثاليًا، بل مرآة لتوازنات القوى العالمية. لكنها تظل المنصة الوحيدة التي تجمع كل دول العالم تحت سقف واحد. الإصلاحات مطلوبة، خاصة في بنية مجلس الأمن، لضمان تمثيل أكثر عدالة وفعالية. فبدون ذلك، ستبقى المنظمة تتأرجح بين المثال والواقع، بين ما يجب أن يكون وما هو كائن.
هل من أمل؟
رغم التحديات، لا يمكن إنكار أن الأمم المتحدة ساهمت في تجنب حروب عالمية جديدة، وفي بناء منظومة قانونية دولية تحمي الإنسان. الأمل يكمن في إرادة الشعوب، وفي ضغط المجتمع المدني، وفي أصوات الصحافة الحرة، لإعادة توجيه البوصلة نحو الحق، لا القوة. فالأمم المتحدة، رغم كل شيء، تظل ساحة مفتوحة للنضال من أجل عالم أكثر عدالة وإنصافًا.
